مقدمه

الأسرة هي قلب الإنسانيـة النابـض بالحيـاة وهـي القوة الناعمة للوطن، وصمام الأمان للمجتمع؛ فالزواج جعله الله عز وجل آية من آياته قال تعالى: - « وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» [الروم: ۲۱]

الأسرة هي عمق استراتيجي لأي بلد؛ بقوتها يقوى المجتمع وبضعفها يضعف ثم ينهار، ولذلك هي عمق استراتيجي للوطن وأحد المستهدفات المهمة في التنمية في رؤية المملكة ٢٠٣٠، والأسرة اليوم تقابل كثيراً من التحديات، ويقابل العاملون في المجال الأسري عقبات متعددة، لتنوع مصادر الهدم وتلونها.

ويأتي التخبيب كأحد أضخم عوامل الهدم في العصر الحديث لأنه يشبه السيل الهادر يتعرض له الإنسان على مدار الساعة؛ لذا يحتاج إلى جرعة مركزة تعتبر مثل جرعة وقائية وعلاجية تساعد أهل الاختصاص على التعامل الواعي الواضح مع الحالات المتعرضة له، وهذا الفصل من الدليل يعتبر لقاحاً ضد التخبيب ويقدم أفكاراً إجرائية مبسطة وعميقة في نفس الوقت تعطي سعة أفق للعاملين في الإرشاد الأسري مع ذكر حالات إرشادية واقعية المضمون من الاستشارات التي تعاملت معها الكاتبة وقد تم الاستئذان ممن لم تتكرر قصته مع تغيير الأسماء والتفاصيل الشخصية من أجل المحافظة على خصوصية المسترشدين.

(حالة نجوان كما روتها بنفسها)

أنا طبيبة، متزوجـة مـنذ عشر سنوات ولـديّ طفلتان جميلتان، زوجي مهنـدس، كانت حياتنـا تسير بشكل جيد جداً ولله الحمد، كان لزوجي دور كبيـر في نجاحي الوظيفي بعد الله عزّ وجـل،

حيث ضحًى بفرص وظيفية متميزة -كانت تتطلب أن ينتقل إلى خارج المدينة - من أجل مساعدتي على إكمال دراستي فلقد تزوجنا وأنا في السنة الأولى من كلية الطب.

في السنوات الثلاث الأخيرة تعرض زوجي لمجموعة من المشكلات في العمل، ثم بدأ وضعه النفسي يتدهور، أصبح عصبياً جداً يثور لأتفه الأسباب حاولت التفاهم معه لكنه كان يرفض حتى أبسط أنواع الحوار. ثم بدأ يتمادى علي في بعض المواقف لأسباب كثيرة منها مطالبتي ببعض أموالي من وظيفتي تعويضاً عن مساندته لي وكنت أراه ينفق المال على أهله ويضيق علينا. وأنا أساهم بقدر معين في المنزل لكنه يطلب الأكثر.

عندما شعرت بضغطه على نفسياً ومالياً كوني موظفة قررت التوجه للاستشارات لأنني أعلم أن تدخل الأهل يمكن أن يفاقم المشكلة . كان الجواب من أحد المرشدين الذين تواصلت معه يجب أن تكوني قوية ولا ترضين بالظلم ، حتى لو وصل الأمر إلى الطلاق -علماً أنني أبلغتهم أنه قد تم طلاقي مرتين فقالوا . أن زوجك شرعاً هو المسؤول عن الانفاق ولا يحق له أن يطالبك مالياً هذا استغلال .

ازددت إصراراً على عدم التنازل فزادت المشكلات وأصبحت خائفة أكثر من الطلاق لأنها ستكون الثالثة حتى هداني الله عز وجل لمركز استشارات عن طريق إحدى صديقاتي . حضرت الجلسة الأولى مع المرشدة وسألتني عن ماضي زواجنا وعن شخصية زوجي . وبعد عدد من الجلسات وعمل مقياس الشخصية قالت : زوجك بسبب نمط شخصيته العاطفي يتصرف بطريقة مختلفة هو يشعر أنه ضحى بالكثير من أجل محبته لك وفي نفس الوقت يشعر أنك ترفضين المساندة .

هو يحتاج في هذا الموقف مساندتك ووقفتك إلى جواره وأن لا تتعاملي معه بطريقه حقي وحقك. أنتم الآن في عنق زجاجة، من المهم أن تخرجوا سالمين من هذا المأزق في مثل هذا الموقف الصحيح أن ينحني الإنسان للعاصفة حتى تمرّ.

وقالت أيضاً: الأسرة أعظم من المال أنتم تحتاجون الآن إلى الهدوء والاستقرار، ساعديه يتخطى أزمته في العمل فنمطه العاطفي يحتاج أن تكوني مصدر المحبة والعون له، فكري بخطوات عملية تعيد الأمان والهدوء إلى أسرتك.

شعرت بالكثير من الراحة مع المرشدة وأحسست أن هذا ما أحتاجه لأنه كان يلامس مشاعري الداخلية. دعوت زوجي إلى مطعم يحبه وقلت له أنت أغلى إنسان عندي وفضلك سابق علي، وسيعيننا الله عز وجل ونتغلب على كل المشكلات بحول الله وقوته.

صحيح أنني طلبت منك مبلغاً مالياً لكن؛ في الحقيقة كنت أختبر محبتك لي لأن من حولي شككني فيها عندما تعرضت لضائقة مالية، وأيضا لأنك زوجتي توقعت أنك أول شخص سيقف إلى جانبي. عموما المبلغ أنا أعتبره دين وبإذن الله أسدده لك.

وذهبت تلك الأزمة بفضل الله ثم الجلسات الإرشادية وها نحن اليوم نعيش في سعادة.

فعلياً كان الذي يحتاجه الموقف في تلك الفترة هو الإحساس بالمساندة وأنه أهم عندي من الوظيفة والمال حتى المبلغ الذي طلبه أعاده بعد سنة واستقراره النفسي والأسري ومساندتي له جعله بعد فضل الله يتخطى مشاكل العمل.

white and black abstract painting
white and black abstract painting